الشعوب في 2011


الشعوب في 2011زخم كبير حملته لنا الأيام القليلة الماضية من هذه السنة، ما زلنا في الرابع والعشرين من يناير لكن الأحداث التي توالت تكفي لتشغلنا عاماً كاملاً

بدأت السنة بتصعيد المظاهرات في تونس وبعدها عدد من المدن العربية تأييداً لتونس أولاً وشكوى من حالها المشابه ثانياً، ثم رأينا الجميع على المواقع الاجتماعية مثل فيس بوك وتويتر وغيرها يناقشون هذه الأحداث ويراقبون أولاً بأول ما يحدث على السحة السياسية، وإذا فات أحدنا خبر يتصل به صديق ليخبره به أو يقول: افتح عالجزيرة.

وفي حدث غير مسبوق -ليس في حياتي التي عشتها- يفر زعيم عربي فرار الفئران باستخدام سرداب تحت قصر قرطاج يوصله مباشرة إلى المطار بعد خطاب ظهر فيه مهزوزاً معترفاً بفساد من حوله، لكن خطابه لم يواجه إلا الرفض رغم المجموعة الذي بثها في الشارع لتهتف باسمه.

كيف يتحول زعيم ذو جاه وسلطة وتحكم إلا منبوذ حتى من أكثر الزعماء صداقة معه مثل رئيس فرنسا ورئيس مالطا الذي تربطه به صداقة شخصية قوية كما عرف عنه، وأخيراً لا يقبل به إلا السعودية الشقيقة بأمر أمريكي بحت ليقيم في جدة -نيويورك السعودية- ليفكر في هدوء أين يكون فراره التالي، لأن عودته لتونس أصبحت من المستحيلات.

في سياق الكلام يستحضرني مشهد لعادل إمام في مسرحية الزعيم حين يقول:  الرؤساء يصحوا الصبح ما يلاقوش حد يحكموه بقى يجيبوا عقد عمل يروحوا السعودية بقى . وأضحك كثيراً على المفارقة العجيبة.

الشعب التونسي أعلن ثورته من أجل لقمة العيش، من أجل حراك سياسي حر وحكومة ورئاسة جديدة، الشعب نفسه لم يتخيل أن الجبن سيصل بحاكمهم أن يفر كالفئران، وربما معظم الشعب البسيط الذي خرج إلى الشارع وعانى من الضرب والإهانة واستشهاد عدد من أبنائه لم يفكر في تبعات هذا الفرار الجبان، وفي لحظة تحول هذا الشعب إلى كتيبات عسكرية يحاول كل منهم أن يحمي بيته وأولاده وسكان منطقته من النهب والسلب الذي نظمته قوى الأمن في ميليشيات موزعة تسرق كل ما يقدرون عليه.

الأمور في تونس أعقد من أن تُشرح وأكبر مما نتخيله، الشعب التونسي البطل الآن يعيش في ضوضاء وعلم أنه طالما بدأ الثورة فلا بد أن ينهيها ولن يقبل بتشكيلات زائفة لحكومة لا يريدها.

وعلى إثر الثورة التونسية خرج كثير من الشعوب في مظاهرات إعلاناً عن رفضهم لغلاء الأسعار والتحكم الحكومي الجائر في رزق الشعب.

هنا في الأردن، خرج الآلاف ليدافعوا عن لقمة عيشهم بشكل حضاري ومظاهرات سلمية، وينادوا بإقالة رئيس الوزراء، وهنا تتملكني دهشة كبيرة من بقائه على رأس عمله حتى الآن، فالكل خرج لينادي بإسقاط حكومته في عمان والزرقاء والكرك وعجلون وإربد وغيرها من المحافظات، وحاول رئيس وزرائنا المبجل الضحك على الناس بتخفيص أسعار سلع معدودة وبعض المشتقات البترولية وزيادة تافهة في رواتب الموظفين.

الإحصائيات تقول أنه منذ استلام الرفاعي لزمام الأمور في رئاسة الوزراء زادت مصروفات العائلة الصغيرة 160 ديناراً شهرياً وعندما زاد 20 ديناراً لكل موظف بقي العجز 140 ديناراً شهرياً هي تقريباً نصف راتب الموظف في القطاع العام، فكيف لهذا الموظف أن يعيش وعائلته بكرامة إذا كان يترتب عليه ديون شهرية لا بد منها؟؟

بصفتي مواطنة أرى أنه حتى  لو كان المواطن قادراً أن يعيش براتبه إلى آخر الشهر، فإنه لا يستطيع توفير مبلغ محترم يؤمن فيه بيتاً هرباً من الإيجارات ولا يستطيع التكهن بقدرته على تعليم أبنائه في جامعات محترمة ولا يستطيع أمن عثرات الزمن إذا أصابه مكروه أو مرض.

نحن لا ننادي بسقوط الحكومة عبثاً، لن يفيدنا إذا ذهبت وأُتي بمثلها، ننادي أيضاً باختيار أفضل لشخص ذو فكر حقيقي لا رأسمالي بإمكانه أن يحقق للمواطن الرضا عن نفسه وعن قدرته على إعالة أسرته.

كانت بداية هذه السنة ذات زخم في السودان وذات مصائب في استراليا وغيرها من الدول المنكوبة بالفيضانات، ويبدو أن 2011 تخفي الشيء الكثير الكثير.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *